مصري يتغزل بمدينة طنجة المغربية



لا يخلو كل ما يحيط بطنجة من بعدٍ أسطوري..حتى اسمها الضارب في التاريخ والذي اختلفَ حوله المؤرخون، وتضاربت بشأنه الأساطير.. تقول الأسطورة الشفهية المتداولة بين الناس إن اسم طنجة عائد إلى فترة (طوفان نوح) حين ضلّت السفينة مسارها في الطوفان الهول وهي تبحث عن اليابسة، حتى حطّت حمامة على السفينة وفي رجليها شيءٌ من الوحل، فصاح من رآها ( الطين جه) أي جاء الطين، فسميت «طنجة»، أما الأسطورة اليونانية فتقول إن «أنتي» ابن سيدون وغايا الذي كان يحاول فرض سيطرته على هذه المنطقة، بنى معبداً أهداه لأبيه ليُمكّنه من السيطرة على هذه المنطقة وحكمها، وأطلق عليها اسم زوجته (طنجة)، وكانت في عهده تمتد من سبتة إلى ليكسوس قرب العرائش.

في طنجة التقيت الشاعر والموسيقي محمد الحدّوشي، عاشق طنجة الذي تطوّع بأن يكون دليلي إلى المدينة، قطعنا بسيارته المسافة من المطار إلى قلبها، قال لي إن أوروبا ترتمي على أنامل طنجة، 13 كيلومتراً بالبحر تفصلك عن سواحل القارة المتلألئة، يمكنك اجتيازها بالعبَّارات البحرية السريعة أو المراكب المُجهّزة في 35 دقيقة، من ميناء طنجة إلى جنوب إسبانيا، كما يمكنك أن تصل من طنجة مباشرةً إلى جنوة بإيطاليا أو جنوب فرنسا.

صحبني الحدَّوشي إلى الأزقة التي عاش فيها محمد شكري كاتباً سيرة (خبزه الحافي)، مستعيداً كلماته: «صباح الخير أيها الليليون، صباح الخير أيها النهاريون، صباح الخير يا طنجة المنغرسة في زمنٍ زئبقي». تبقى وحدها طنجة هي مفتاح السر الذي حمل شكري، الذي لم يكن يحلُم بأكثر من شهرةٍ محدودةٍ محليةٍ في مدينته، إلى شهرةٍ في الوطن العربي بأكمله وترجمات لأعماله لمعظم لغات العالم الحيَّة. وحدها المدينة التي تمنح الحيوية والحياة والانبعاث لمن تصطفي.
عبر أسوار المدينة العتيقة العائدة للعهد الروماني، على مساحةٍ تزيد عن ألفي كيلومتر قطعنا الطريق متجهين إلى أحد أعرق فنادقها (المنزه) الذي أُسّسّ عام 1930 على الطراز الأندلسي في شارع الحرية بقلب المدينة ذات الأحيار الخمسة العتيقة، حيث يطل على الساحل الإسباني والميناء ومضيق جبل طارق ( لم أستطع النوم ليلاً من ضوء الفنار الذي كان يقتحم الغرفة من الجهة الأخرى من أوروبا! ). في هذا الفندق أقام تشرشل وأنطوني كوين والملك خوان كارلوس وإيف سان لوران، كانت صورهم على الجدران جميعاً، في هذا الصرح الذي يؤثث الفضاء المعماري للمدينة الدولية بمسحةٍ أندلسيةٍ خالصةٍ.
في المساء وبينما نسير بمحاذاة الكورنيش كنت مندهشاً من الطراز البنائي للمدينة الكوزموبوليتانية كما يتضح من أبنيتها التي يتجاور التاريخ بين أعمدتها، يبتسم الحدّوشي قائلاً: طنجة تاريخٌ طويلٌ من الحضارة والمعمار، بين كل حجرٍ والآخر هنا دلالة على التاريخ، منذ أسسها الملك الأمازيغي سوفاكس ابن الأميرة طانجيس عام 1300 قبل الميلاد واستوطنها الفينيقيون، لتستوي مركزاً تجارياً رئيسياً على سواحل البحر المتوسط، ثم تضمها الإمبراطورية الرومانية بعد ذلك، ثم البيزنطيون حتى فتحها الأمويون عام 702. وقد مرّت المدينة بفترات من السبات والحيوية، غير أنها كانت في قمة نشاطها وازدهارها في عهد السلاطين العلويين، حيث عرفت تجديداً عمرانياً لأرجائها، وشيّدت الأبواب والحصون والأسوار والمساجد والقصور والنوافير والحمامات والأسواق والكنائس والقنصليات والمنازل الواسعة. كانت المدينة تُبعث من جديد.
 كتبها 

حمزة قناوي

تعليقات

المشاركات الشائعة